vendredi 11 mai 2012

ثورة تونس ثورتان : واحدة صنعها الشعب والأخرى خرجت من تحت إبط القرضاوي. مقال للصادق بن مهني صدر في جريدة صوت الشعب ل10ماي 2012




هل سمعتم ما سمعت ؟ : الثورة التونسية خرجت من عباءة القرضاوي، وبالضبط من تحت إبطه !
كنت قبلا قرأت أو سمعت تحاليلا وأشباه تحاليل ربطت بين الثورة وبين مخابرات عديدة، وبين الثورة وبين الخارق دوما العمّ سام، وبين الثورة وبين جيوش لا ترى من الخفافيش، وبين الثورة وبين أيادٍ خفيّة غير محدّدة الهوية... لكنّ هذا الخبر قد تعدّى كلّ ذلك وأوقعه قشّة لا اعتبار لها.
فصاحب الخبر هو الحبر الأعظم والشيخ المتميّز وصاحب الحكم الجالس على عرش بينه وبين الربّ شبكة اتّصال مباشر والساعي إلى بسط خلافته السادسة بل خلافة صاحب العباءة –صاحب الإبط الولاّدة ومن يرعاهما حمدا ونفطا ودولارا وموزا من المحيط إلى المحيط... ومن هو بهذه الذّات وعلى هذه الصّفات تشرب أقواله عذبة ومرّة ولا يحق فيها ردّ أو جدال.
بل إنّ صاحب الخبر هو جنرال الثورة السيّارة، والزّعيم المتحكّم ظلاّ في التأسيسي الذي لا يؤسّس وفي الحكومة التي لا تحكم بل تتصرّف : "هذا أبتغيه فهو معي أسمّيه و/أو أحميه و/أو أنفضه نفضا حتّى يكون معي  و لي عبدا صبورا ووشاء وداعية... وذاك ليس معي وإن لم يكن ضدّي قد أمنحه كلمات سمحة بين الحين والحين ولكنّي أصلا وكثرة أكفره وأعيّره وأجيّش ضدّه وأعدّ له لتُدَق عظامه"...
فالخبر إذن صحيح ومؤكّد ومن قلّة الحياء أن يُسعَى إلى التثبّت فيه !
حرتُ كيف أصدّق الخبر. وأوجعني أن لا يكون أمامي إلاّ خيار تصديق الخبر.
لكنّ حيرتي تحوّلت فجأة قناعة انصبّت في خاطري كوحي أو إيحاء : "نعم صحيح ما قاله زعيمهم : الثورة ، ثورتهم، خرجت من عباءة القرضاوي ومن حيث قال.."
وتجلّت لي الصّورة دقيقة شفافة بيّنة التفاصيل : شعبنا صنع ثورة أو انطلاقة ثورة، ثورة بدأت أمطارا تهاطلت أمطار صيف هادرة لكن عابرة تساقطت وأسقطت في الحوض المنجمي وبن قردان، ثمّ عاودت هطلها بمدّ أكثر في تالة، ثمّ في سيدي بوزيد ومنزل بوزيان والرقاب ثمّ في القصرين وتالة، ثمّ صدحت بها الحناجر في صفاقس والقيروان والعاصمة، ثم في كل مكان... شعبنا اُنفجر فدمّر خوفه وسخّره، وبعث الرعب في السلطان فخلعه... ثمّ وقف شامخا لكن حائرا، وانتصب يغنّي ويضحك لكن يسأل : ما العمل ؟ خلعنا رأس السلطة وأقررنا أن لا نرضى بغير التنمية العادلة والكرامة للناس جميعا أفرادا وجهات ووطنا وبغير الحرّيات لا يقيّدها استثناء... لكننا وإن نحن أبدعنا في خلع رأس السلطة بصدور عارية وأيد لم تمسك سلاحا وسلاح وحيد هو حناجرنا وآلات تصوير بسيطة وحواسيب روّضها الشباب، فإنّنا لم نعرف ما نعمله بعد ذلك، وكيف نمسك بالأمر، ولا كيف نقود سفينة الوطن... وعذرنا في ذلك أننا لم نكن مواطنين يفعلون ويتدرّبون بل كنا رعية تقاد ويحرّم عليها أن تسهم أو تدرك أو حتّى تفهم... هذه هي ثورتنا نحن الذين يُهَدّدُ معتصمونا بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، والذين يُمْنَعُ مثقفوهم من مجرّد الكلام، والذين يوصفون بأبشع وأشنع الأوصاف، والذين يؤمرون بالسكوت والاصطفاف والأذعان، وكلّما تحرّك متحرّك منهم ومن أحزابهم المناضلة نعت بالمتآمر ووسم بالكفر، ورمي بالغاز وصليت أوصاله بالهراوات 
وهذه ثورة لم يصنعها إلا بناتنا وأبناؤنا...
أمّا الثورة التي عناها زعيمهم فهي تلك التي ثارت على الثورة : غازلتها وصاحبتها أيّاما وتغنّت بأغانيها وهتفت بهتافاتها ولمّا اطمأنت إلى غفلتها، انفردت بالسلطة وبالقرار، ومضت تبسط شباكها في كلّ مكان، ولم تهتمّ لا بالكرامة ولا بالتشغيل ولا بالتوازن الجهوي ولا بقوت الناس ولا بحقّهم في إعلام صادق هم  الذين حرّروه، ولا بوضع دستور كنّا نخاله سينقلنا سريعا إلى سماء الحريّات ومربّع الأمم الأكثر حداثة وإنسانية، بل انصبّ جهدها على القبض على مقاليد الشأن العام، وحجب الرؤية على من لم يصطفّ في صفّها، وعلى مهادنة من تسبّبوا في ثورة الشعب تحميهم ويسندونها...
نعم هذه ثورة قد تكون فعلا خرجت من عباءة القرضاوي ومن تحت إبطه... وقد لا يكون إبط القرضاوي والقرضاوي ومن معه اِستلموها وحيا أو إيحاء أو ألهموها واستلهموها لا من ربّ رحيم عادل ومنزّه بل ممّن أهدى القرضاوي عباءته وتحكّم فيه حتّى إبطيه وأزيد...
ولكي يدرك شيخهم –زعيمهم- ملهمهم-أعظمهم أنّنا نحسن سماعه ونصدّقه كلّما صدق أشير، وأنا أنحني للكرم الطائي، إلى ما كتبت الصحافة عنه من أنّه أكّد أن القرضاوي قد تحمل عبء تمويل "مساجين الحركة وعائلاتهم"...
وهنا أسأل : لحد الساعة كنّا نسمع أن مساجين الحركة وعائلاتهم قد عاشوا الحرمان والمعاناة والتفقير والتجويع والعزل فهل لكم أن تنيروا أفهامنا : أكانت أفضال القرضاوي تصلهم وتخفّف عنهم أو حتّى تبدّل كربهم بحبوحة أم أنها أخطأت طريقها وضلّت إلى سلطة... أخرى ؟
وهنا أروي : بداية السبعينات كنّا بضعة شباب اعتقلنا وعذّبنا و رمينا في الحبس لانتمائنا لمنظّمة "آفاق-العامل التونسي" ولم يكن لنا قرضاويٌ كريم يمولنا أو يؤمن تمويننا... خاتل أحد أهالينا الحرّس  والأسوار والأبواب الضخمة وخرق ما لا يخرق وأوصل إلينا رسالة مفادها أن القذّافي (ولم يكن حينها قد تحوّل بعد إلى منبوذ) يرغب في مساعدتنا وبوصفه مواطنا عربيا لا بصفته الرسمية... لم نتحاور ولم نتجادل ولم نناقش بل ما إن نطق واحد منّا بالرّفض حتّى تأكدنا أنّنا جميعا على موقف واحد...
نعم : ثورتهم انطلقت من عباءة القرضاوي ومن تحت إبطه.
أمّا ثورتنا فقد صنعها شبابنا وشابّاتنا وتلك الجموع التي لن يخفت عزمها... بل ستستمرّ في ثورتها.
لهم ثورتهم، ولنا ثورتنا.

3 commentaires:

  1. J'était choqué, comme vous, d'écouter cette prédication de "sa majesté". En effet, la Tunisie post-révolutionnaire vie un tournent historique très critique et le processus de la libération des mentalités reste à faire. Néanmoins, la révolution tunisienne est le résultat des sacrifices entière qui ont combattus l'autoritarisme et l'absolutisme; elle est faite par les jeunes, les jeunes tunisiens, eux seule sans aide de quiconque.

    RépondreSupprimer
  2. السلام عليكم .... أمّا ثورتنا فقد صنعها شبابنا وشابّاتنا وتلك الجموع التي لن يخفت عزمها... بل ستستمرّ في ثورتها.

    RépondreSupprimer
  3. لست أدري هل الشعوب العربية متخلفة لهذه الدرجة ففي كل مرة يحدث هذا في دول الصلاعمة و العرب
    الجزائر مثلا و تونس و مصر و مالي بعد محاولة الإستقال لإقليم الأزواد
    ماهذا ؟؟ هل الإسلاماويون ينتضرون شعوبهم لتنتفض على الدكتاتورية لينقضوا هم عليها لتنصيب دكتاتورياتهم ؟؟؟؟

    RépondreSupprimer

مجرد رأي

نحن شعب لا يتعظّ من ماضيه و لا يحفظ دروس التاريخ و كأنّني بنا شعب قصير الذاكرة أو دعوني أقول معدوم الذاكرة. تستهوينا بعض عروض التهريج في مج...