أعيش منذ عام و نيف تجربة فريدة في علاقة بالسجون و مراكز الاصلاح التونسية و هي مبادرة جمع الكتب لفائدة مكتبات السجون التونسية و هي مبادرة أطلقتها صحبة والدي قبل أن نشترك فيها مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب . و قد
مكّنتني هذه التجربة من الاطلاّع على تجارب عديدة تسعى الى تكريس ثقافة حقوق الانسان و الى ترسيخ الدور الاصلاحي للمؤسسات السجنية .
و ساتحدّث هنا عن تجربة شدّتني بصفة خاصة و هي تجربة المخرج السينمائي التونسي المقيم بفرنسا كمال رقية من خلال جمعية "عيون السمع" التي يترأسها . و هي تجربة خاضها في السجن المدني بالمهدية مع مجموعة من السجناء
من ذوي الأحكام الطويلة و قد سنحت لي الفرصة لمشاهدة الانتاج الاوّل و الثاني لهاته التجربة .
كانت التجربة الأولى تجربة سينمائية انطلقت بمجموعة من ورشات العمل التي كان نتاجها مجموعة من الافلام القصيرةالتي عرضت بقاعة "الريو" بالعاصمة بحضور السجناء و كان العرض مشفوعا بنقاش شارك فيه اطارات من الادارة العامة للسجون و الاصلاح و حقوقيون و اعلاكيون بالاضافة الى منجزي العمل .
أمّا التجربة الثانية فهي مسرحية .و قد تمكنّت من حضور عرض مسرحية "نو" المقتبسة عن جمهورية أفلاطون و ذلك يوم 29 مارس 2017 حيث خرج 10 مساجين من السجن المدني للمهدية ووقفوا على ركح مسرح دار الثقافة ابن رشيق
ليقدموا عرضا مسرحيا تواصل لاكثر من ساعة و نصف وسط جمهور غفيرفقد امتلات المقاعد و اضطرّ بعض المتفرجين لمواكبة العرض وقوفا .
عرض أبدع في أدائه السجناء فخلنا أنفسنا أمام ممثّلين محترفين قضّوا السنين الطوال في دراسة المسرح و التمثيل . عرض أسال دموع الممثّلين و الحاضرين سواء . عرض سهر المخرج و مساعدوه و خاصة منهم السيد محمد الدخلاوي مدير ادارة التنشيط المسرحي المتخرّج من المعهد العالي للفن المسرحي و الذي عمل على تسيير و ادارة ورشات الكتابة الجماعية النابعة عن قراءات لنصوص جمهورية افلاطون
و قد كانت رسالة هذا العرض واضحة فهو يسعى الى تغيير نظرة المواطن الى السجن و السجين بالاضافة الى اعتماد الثقافة كوسيلة للاصلاح و التاهيل و التكوين و هذا ما تحدّث عنه صاحب الفكرة و الساهر عليها الاستاذ كمال رقية في كلمته قبل العرض حيث دعا الى اعتماد المسرح و الثقافة بصفة عامة كوسائل لتغيير المنظومة السجنية و اعادة ادماج السجناء في المجتمع .
و قد تفاعل كلّ الحضور مع العرض فصفّقوا للممثلين لفترة طويلة بعد العرض و اختلطت دموعهم بدموع هؤلاء .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire