ورثة الدّغباجي ومحمّد علي والطاهر الحدّاد والطاهر الأسود ونور الدين خضر
بقلم : عمار العربي الزمزمي
أريد أن أتحدّث أوّلا بصفتي الشخصية فأنا سجين سياسي سابق حوكم من قبل محكمة أمن الدولة في عهد بورقيبة وعرف السجن بين سنتي 1973 و 1979 بسبب الانتماء إلى "تجمّع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي" التنظيم اليساري الذي عرف أوّلا بآفاق ثم بالعامل التونسي ومثل والدة لسائر تنظيمات اليسار التونسي الجديد (أي الذي لم يجد نفسه في الحزب الشيوعي التونسي الذي يحوّل إلى حركة التجديد) وأنا أيضا نقابي نشط ثلث قرن محليا (بالحامة) وجهويا (بقابس) إضافة إلى كوني ديمقراطيا مستقلا وعضوا بجمعية ثقافية تنموية هي "نادي البحوث والدّراسات بالحامّة".
إن أمثالي انتظروا طويلا هذا اليوم. بعض رفاقي القدامى قضوا أو اِنزووا وأنا محظوظ لأنّني أدركت هذا اليوم. ولئن لم أفقد يوما إيماني بقدرة الشعب على الثورة رغم كل الخيبات والانكسارات والتراجعات والسقوط- الذي شمل مقرّبين منّي- فقد فاجأني التّوقيت وتسارع وتيرة الأحداث.
وأنا على قناعة بأن ما حدث في تونس ليس مجرّد حركة احتجاجية ولا هبة أو انتفاضة شعبية وإنما هو ثورة أصيلة ضاربة بجذورها في إرثنا الثوري دون أن تكون بعثا آليا له وقد تذكّر من بعض الوجوه بثورات أخرى لكنّها ليست استنساخا لأي منها فهي "منتج محلّي" له أبعاد عربية وكونيّة.
وقد تداخل فيها ما هو مطلبي اجتماعي بما هو سياسي أو لنقل بأنّ المطالب بدأت اقتصادية واجتماعية وانتهت سياسية فالمطالبة بالخبز والشغل وتنمية الجهات الداخلية المهمّشة موجودة لكنّ ثورة الشعب التونسي ليست ثورة جياع مثلما ذهب في ظنّ بعض من يراقبونها من الخارج ولا عجب أن ترفع الجموع في كل مكان شعارا من أقدم شعارات الحركة التقدميّة التونسية" الخبز والحرية والكرامة الوطنية" ولا عجب أيضا أن تردّ الحركة الشعبية على وعود السلطة بحلّ مشكلة البطالة واختلال التوازن بين الجهات وتخفيض الأسعار برفع سقف مطالبها ومطالبتها بتغيير السلطة.
وقد مثلت الإطاحة برأس هرم السلطة وإطلاق سراح المساجين السياسيين والوعد بإصدار قانون العفو التشريعي العام والفصل بين الأحزاب السياسية والسلطة ورفع الحظر على الأحزاب الموجودة وإعطاء الحرية للأخرى بالتكوّن والنشاط وإطلاق حرية التعبير مثل كل هذا خطوة مهمّة على طريق التحرّر لكن إلى أيّ حدّ يمكن الوثوق باحترام الحكومة المؤقتة القائمة اليوم لتعهّداتها ؟ إن الشعب يكتسح حاليّا الساحة ويجعل ممثلي السلطة في مختلف المستويات يحنون رؤوسهم للعاصفة لكن إلى متى ؟
إنّ الشعب التونسي خدع –بل لدغ- في عام 1987 ولو أن المقارنة بين الوضعيتين لا تجوز إلا في محاولة قوى الردّة الالتفاف على مطالب الشعب. كان الشعب عام 1987 يتطلّع إلى الحرية ولم يقم هو بإزاحة بورقيبة وإنّما وثق بوعود من إزاحة فأتاح له بذلك أن يعيد إحكام الطوق حول رقبته . وقد قلت شخصيا يومها في رسالة مفتوحة موجهة إلى بن علي بعنوان "إلى أيّ حد طوينا صفحة الماضي؟" بأن بيان السابع من نوفمبر سيبقى صكّا بدون رصيد إلى أن يأتي ما يخالف ذلك أي إلى أن يقع تحقيق الوعود التي قطعتها السلطة على نفسها. ولم يكن بن علي وحده هو الذي صادر مطالب الشعب في الديمقراطية والحريّة وإنما وجد في الحرس القديم لنظام بورقيبة منظّرين ومصدري فتاوى "قانونية" بعضهم مازال يطلّ برأسه اليوم ويعدنا بأن مسيرة الشعب لن تعرف انتكاسة الأمس وأنّ النوايا صادقة هذه المرّة .
إن عدم الاستجابة لمطلب حلّ التجمّع الدستوري وتشبّث رموز هذا الحزب بالبقاء في الحكومة المؤقّتة مؤشر على الرغبة في مصادرة ثورة الشعب ولا شيء يحول دون ذلك إلا المضيّ قدما في الضغط الشعبي على الحكومة حتى تسقط ويفسح المجال أمام تحقيق مطالب الشعب التي باتت معروفة وفي مقدّمتها
- تكوين حكومة إنقاذ وطني،
- إقامة مجلس تأسيسي،
- تنظيم انتخابات مبكرة على أسس دستورية وقانونية جديدة (المجلّة الانتخابية- قانوني الصحافة والجمعيات...)
- إعادة بناء مؤسسات الدولة بما يضمن التخلّص من الفساد والرشوة والمحسوبية،
- الانصراف الجاد إلى التنمية وحل قضايا مزمنة كالبطالة والفقر...
أريد أن أتحدّث أيضا بوصفي عضوا بهيئة تسيير اللجنة الشعبية لحماية الثورة بالحامّة.
تكوّنت هذه اللجنة بمبادرة من فعاليات شعبية مختلفة فقد ضمّت شبابا متحمّسا كان في طليعة الثورة والاتحاد المحلّي للشغل بالحامّة ونادي البحوث والدراسات بالحامّة والمحامين والأطبّاء والصيادلة وسائر فئات وأبناء الشعب وقد طرحت على نفسها جملة من المهام منها :
- حفظ الأمن في غياب قوات الأمن التي مازالت لم تسجّل عودتها إلى المدينة لحدّ الآن بعد التصادم العنيف الذي حصل بينها وبين أبناء الشعب وخصوصا الشباب الذي صمّم على إجلائها مهما كلّفه ذلك من تضحيات.
وقد شكلت مجموعات في كل الأحياء حالت دون وقوع عمليات للنهب والسلب وأسهمت في إشاعة روح المسؤولية والتضامن،
- توفير الخدمات الصحيّة التى لا يوفرها المستشفى المحلّي،
- تقديم المعونات للمحتاجين،
- الدفاع عن الثورة بتعبئة الجموع وضمان تواصل التحركات الشعبية لتصفية بقايا الدكتاتورية. فتعدّدت المسيرات ونصبت خيمة للاعتصام قرب مقبرة الشهداء الواقعة وسط المدنية. وحصل تنشيط شمل الشعر والأغاني الملتزمة والأناشيد وإذاعة البيانات وتقديم المداخلات.
- إيصال صوت الجهة إلى وسائل الإعلام.
وأستطيع من موقعي أن أقول بأن أبناء الحامة يعتبرون أنفسهم ورثة شرعيين لرواد التحرّر الوطني والاجتماعي في تونس من الذين أنجبتهم الحامّة أمثال محمد الدعباجي ومحمد علي والطاهر الحداد والطاهر الأسود ونورالدين خضر.
وهم يعتبرون الحامّة نموذجا للجهات الداخلية التي كانت على الدوام منطلقا للتمرّد والثورة على الظلم والقهر سواء قبل الاستعمار أو خلاله وحتى في ظل دولة الاستقلال لكنّها لم تجن ثمار كفاحها المتواصل وتضحياتها فبقيت مهمّشة تعاني البطالة والفقر والاضطهاد الذي هو أدهى منهما .
فأبناء الحامّة يتساءلون : ما موجب أن تركز الدولة- علاوة على ثكنة للجيش- فرقة للتدخّل ومنطقة للأمن إن لم تكن الثقة بأهل الحامّة منعدمة ؟ وهم يشعرون أيضا بأن وسائل الإعلام لم تقم بتغطية إسهامهم في الثورة الحالية بالقدر الكافي.
فقد سقط من أبنائهم أربعة شهداء هم :
- نوفل غماقي،
- خالد بوزيان،
- حسونة عدوني،
- محمد زمزمي.
وأصيب 14 بجروح منهم من لم يتجاوز بعد مرحلة الخطر.
وقد دفنوا شهداء اليوم في مقبرة شهداء الأمس فجاوروا بينهم وبين محمد الدغباجي ثائر العشرينات ومحمود بن حسونة ورفاقه من ثوار الخمسينات للتأكيد على وفاء اللاحقين لدماء السّابقين من الشهداء. وبذلك يعلن أبناء الحامّة عن تمسّكهم بالمطالب التي سقط من أجلها الشهداء وإصرارهم على مواصلة النضال جنبا إلى جنب مع بقيّة أبناء مختلف الجهات حتى تسقط الحكومة المؤقتة ويقع حل التجمّع الدستوري وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وتكوين مجلس تأسيسي يصدر دستورا جديدا تتم على أساسه انتخابات ديمقراطية وهم يصرّون على محاسبة القتلة كل القتلة والمسؤولين على الرشوة والفساد دون استثناء ولا يقبلون حصر المسؤولية بين بن علي وعائلته وأقلية من معاونيه ويدعون إلى حل الأجهزة القمعية وفي مقدّمتها البوليس السياسي وإعادة تنظيم الأمن على أسس جديدة ووفق عقيدة جديدة حتى تتاح للشعب الفرصة لتقرير مصيره في طلّ حوار ديمقراطي حرّ دون إقصاء أو تهميش.
25 جانفي 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire