نص كتبته في 30 جويلية 2013 لموقع
BBC Arabic
:و لم ينشر
لا أحد في وسعه أن يتكهّن بتطوّرات الوضع في تونس , حتى الفاعلون في الوضع لا يستطيعون ذلك.فالوضع مفتوح على كلّ الاحتمالات:النهضة بدأت تدرك أنّ شرعيتها قد اندثرت:فتّتها الصلف و العجرفة و غياب الكفاءة الذي يثبته عجزها عن تحقيق وعودها الانتخابية و تؤشّر عليه حالة الاقتصاد الوطني و احتقار الاخرين جميعا بخطابها العدواني و المتسلّط و المتعالي و تنكّرها لتعهّداتها كلما استطاعت لذلك سبيلا. و الاصرار على الخطأ الذي يبدو جليا هذه الايام في تمسّكها بحكومة فاشلة و ادّعاؤها أنّ ليس أفضل ممّا موجود و التغافل عن الحاجات الاجتماعية المتأكّدةالمتمثّلة في التضغيل و تنمية الجهات المحرومة ...ثمّ جاءتها رصاصة الرحمة من الدم البريء المزهق و اجماع عامة الناس على أنّه لا شرعية بعد الدم ...و لأنّ النهضة لا تعرف للمراجعات الذاتية العميقة سبيلا , و ليس من طبعها أن تتنازل حقّا أو أن تحترم مواقف الاخرين و حقوقهم , فانّها ستمضي قدما على درب القمع و العنف و التسلّط ...هي ستطلق و لا شكّ أيادي أتباعها المباشرين و غير المباشرين , بل انّها قد أطلقت تلك الايادي بعد ليذبحوا و يؤذوا و يعبثوا … وهي ستفتعل معارك جانبية عديدة ...بل انّها لن تتردّد امام اللجوء الى التقتيل الجماعي و تواتر الاغتيالات ...فالعنف طبع في النهضة يؤكّد ذلك استماتتها في الدفاع عن بقاء ما يسمّى بلجان حماية الثورة , و لجوء قياداتها الى تكفير مخالفيها الراي , و اصرار بعض نوّابها في التاسيسي على المناداة بتطبيق الحدود و الاخذ بأكثر تاويلات الشريعة تشدّدا و تمسّك غالبيتهم برفض الاعتماد الصريح و الواضح لمبادئ و حقوق الانسان المتفّق عليها دوليا في الدستورو اصرارهم على تقييد الحريات الجماعية و الفردية فيه خير دليل على هذا الطبع. و ما مواقف النهضة من اغتيال الشهيدين شكري بالعيد و محمد البراهمي المتسمة بالتبرير و التسطيح و تحويل الأنظار الى مسائل اخرى و تباطؤ الأجهزة الواقعة تحت سيطرة حكومتها في كشف شبكات الارهاب و التهريب و الفساد الاّ مؤشرات اضافية على ادانة النهضة … ثمّ انّ مسؤولية النهضة عن العنف و الترويع لتزداد تاكّدا اذ ما نحن نظرنا في ما يصدر على الصفحات الموالية لها على الفايسبوك من تهديد و ترويع , و اذا ما نحن أخذنا بعين الاحترام رفض أبرز قادتها مراجعة خياراتهم الصدامية القديمة و تجاوزها بنقد ذاتي صريح كما أنّ في تعامل النهضة اللطيف مع متشددين ذائعي الصيت . و في سكوتها عن تهديداتهم بل ووصف قائدها لهم بأنّهم « أبناؤه » و « يذكرونه بشبابه » ما يدفع الى الاعتقاد بمسؤليتها المادية و الملية ..أمّا المعارضة أو المعارضات فهي قد فهمت اخيرا أنّه لم يعد في مستطاعها أن تثق لا في النهضة ككلّ و لا في واحد من أجنحتها , وهي لم تفتا تنكوي من مناورات النهضة و تنكّرها لتعهّداتها و ضحكها على ذقون كلّ من يقبل على التوافق معها... و المعارضة بكلّ أطيافها قد أدركت أخيرا أن لا مخرج أمامها الاّ بتوحيد جهودها و ترجيح نبض الشارع... بل انّها أدركت انّها حشرت نفسها في الزاوية الميتتة بفعل تراجعها المستمرّ أمام ضغط النهضة و نزوعها الى التسلّط و الاستبداد و الانفراد بالرأي و بالسلطة و بفعل نزوعها الى المهادنة و حتى الخنوع …
أما الشارع ممثّلا بتعبيرات المجتمع المدني جميعاـ فلقد انتقل من مرحلة الاحباط و القبول بالامر الواقع و مخادعة النفس بتعقّل قد تنحو اليه النهضة الى مرحلة الاعتداد بالنفس و التعويل على الذات و العزم على تطويع الاقدار ...و اذ عاد المجتمع المدني الى الشارع معزّزا باعداد اضافية هائلة من النساء و الشباب. و اذ توطّدت بين صفوفه العلاقات النضالية صلة الفنانين و المثقفين و المبدعين بمختلف أطياف الشعب ,فلقد تجدّدت قدرته على اجتراح المستحيل و تضاعفت قدرته على تطويع الخوف حتى اضحى أجرأ من قياداته و اسرع منها ردّ فعل و تاق الى تسريع ساعة الخلاص …