عدت الى الرقاب بعد 5 سنوات من الغياب.عدت مرتين في ظرف أسبوع واحد . و كانت اخر زيارة لي هناك في الذكرى الاولى لاستشهاد ابنائها و ابنتها خلال احداث الثورة التونسية. عدت بعد أن خيّرت الابتعاد لا خوفا بل أنفة ورفضا للاهانات و الافتراءات التي طالتني بسبب كيد الكائدين و نفاق المنافقين .
في المرة الاولى دخلت الرقاب وحدي للقاء صديق جمعتني به ليلة 9 جانفي 2011 في المستشفى المحلّي و أنا أحاول فهم ما حلّ بالمدينة يومها,لنذهب سويا لمساندة ابناء المكناسي المنتفضين من أجل حقّهم في العيش الكريم . و في المرة الثانية دخلتها رفقة قيس العبيدي و الصديقة الصحفية هندة .دخلناها لزيارة والدة قيس بعد حضور محاكمة مجموعة من ابناء المدينة في محكمة سيدي بوزيد و منهم اخو قيس .
المدينة هي المدينة مع بعض البنايات الجديدة و الألم هو الألم :ألم القهر و الظلم و الضيم و الجور. ليلة 9 جانفي 2011 أرهقتني دموع والدة الشهيد نزار السليمي و هي تطلب مني أن أصوّر جثمان ابنها الذي مزّقه الرصاص ليرى العالم وحشية نظام الدكتاتور و يوم 20 جانفي 2017 أدمت قلبي دموع والدة أمين و قيس العبيدي و هي تبكي من ظلم نظام قيل أنّه نظام ديمقراطي . أدمت دموعها قلبي الذي أرهقته المحاكمة التي حضرتها قبيل ساعات من وصولي الى الرقاب :
قاعة مكتظة بعائلات الشبان الموقوفين يحيط بهم رجال الامن حاملين اسلحة كنت احسبها للاستعمال في ساحات الوغى فقط . عائلات تكبدّت مشاق التنقّل و تكلفته لتكون بجانب أبناء ألقوا في الزنازين ظلما .شيوخ و عجائز بدت ملامح التعب على وجوههم التي غطّتها التجاعيد و أنهكها الزمن .و قاض يتظاهر بما ليس فيه من صفات الرحمة و العدل و ممثلة نيابة عمومية تقهقه و هي تطلب الابقاء على المتهمين في حالة ايقاف و محامون بذلوا ما في وسعهم لاظهار الحقّ و خلوّ الملفات مما يثبت توّرط الشبان المو قوفين منذ قرابة العام على خلفية مشاركتهم في الحراك الاحتجاجي الاجتماعي الذي هز البلاد والسنة الفارطة على خلفية موت الشاب رضا اليحياوي في القصرين و هو يحتجّ على حرمانه من الحق في العمل و عدد
محدود من الناشطين الحقوقيين الذين تنقّلوا من تونس لمساندة هؤلاء الشبان و حوارات مع العائلات بعد الجلسات وصفوا فيها معاناتهم و ركّزوا فيها على ماسلّط على أبنائهم من ظلم فهذا شيخ يغالب دموعه و هو يروي تفاصيل المظلمة التي تسلّط على ابنه و مصاعب تردّده على السجن لزيارته و أمّ توشك على الوقوع أرضا من الارهاق و من القهر الذي فطر قلبها .
في منزل قيس العبيدي حدّثتنا والدته عن أمين و عن ايقافه و عن صعوبة ظروف عيشهم و و عن عناء توفير لقمة العيش في ظلّ انتشار البطالة و تهميش المدينة و شبابها . روت لنا ذكريات مشاركة ابنها أمين في الثورة و تهديد الامنيين له منذ ذلك الوقت . فابنها من قادة التحركات الاحتجاجية في المنطقة خلال الثورة و بعدها و قد توّعده رجال الشرطة بدفع ثمن ذلك و
هاهو يقبع في السجن رغم تعدّد الشهادات التي تنزّهه مما نسب اليه من تهم .
كم كنت أودّ لو قرنت عودتي الى الرقاب باحتفالات بانجاز مشاريع جديدة من شأنها ان تغيّر الواقع المظلم لالاف الشبان الذين سلبوا حق العيش الكريم
كم كنت أودّ لو دخلت الرقاب و قد استردّت عائلات الشهداء حقوقها و عولج الجرحى جميعهم
كم وددت لو عدت الى هناك و قد تغيّرت الاحوال الى الاحسن
ولكن هيهات عدت لأواجه الألم و الظلم من جديد عدت لارى أبناء الوطن يظلمون و عائلات تشتّت عدت لأشهد على الوجع كما كان الامر عليه منذ 6 سنوات . تغيّرت التسميات و بقيت نفس الممارسات .
تعدّدت الوعود و غاب التنفيذ و لازال أبناء الوطن يسجنون من أجل المطالبة بحقّ.
الحرية لابناء الرقاب و كلّ معتقلي الحراك الاجتماعي .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire