خلال الأسبوع الفارط تمكّنت من مواكبة عروض أيّام قرطاج السينمائية التي تنظّم في السجون التونسية . و هي تجربة انطلقت السنة الفارطة بفضل شراكة بين ادارة المهرجان و المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب و الادارة العامة للسجون و والاصلاح يتمّ خلالها عرض الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية في بعض السجون و مراكز اصلاح القاصرين.و عادة ما يكون مخرج الفيلم المعروض و بعض من ممثليه حاضرين في السجن لمناقشته مع السجناء و السجينات .
واكبت تقريبا أغلب العروض التي برمجت لهاته السنة ما عدى عرضين أجبرتني ظروف صحية على التخلّف عنهما
. و دعوني أقول انّه رغم تكراري للتجربة فانّ الأحاسيس و المشاعر تداخلت في نفسي في كلّ صباح و مع كلّ زيارة بدءا من صعودي للحافلة التي تقلّنا الى السجن. حافلة يجتمع فيها مجموعة من المؤمنين و المؤمنات بأهمية الثقافة و دورها في المجتمع , مرورا بسويعات الطريق التي تكثر فيها النقاشات و يتبادل فيها الحاضرون الافكار ووصولا الى ما نعيشه داخل
أسوار السجون .
و رغم تشابه السجون و علوّ أسوارها و احكام اغلاق أقفالها و تطابق اجراءات دخولها من استظهار ببطاقة الهوية و تفتيش و غيرها فلكلّ عرض و لكل سجن خصوصيته لاختلاف النقاشات التي تصاحب كلّ عرض ; و اختلاف درجة صرامة القوانين من سجن لاخر فبعض السجون يسمح لك فيها الجلوس جنبا الى جنب مع المساجين و قد يصل الامر الى تناول الطعام الذي عادة ما تعدّه ادارة كل وحدة سجنية على شرف ضيوفها و في سجون اخرى يرفض هذا القرب من المساجين كما تختلف طرق التعامل مع الكاميرا والة التصوير او دعوني اقول مع الصحفيين و الصحفيات من سجن الى اخر و لكلّ
سجن رائحته و ساكينيه كما هو الحال بالنسبة لكلّ بيت .
هاته السنة كانت الافتتاح من سجن مرناق الموجود جنوب العاصمة التونسية حيث حضر أغلب المسؤولين الأمنيين و أبطال الفيلم التونسي لمخرجه فريد بوغدير لتتواصل العروض في سجون المهدية و سوسة و بنزرت و سجن النساء بمنوبة و و مركز اصلاح الاطفال الجانحين بالمروج
و بعد القيام باجراءات الدخول عادة ما يطالعك سجّاد أحمر و قاعة عرض قد تنسيك أنّك داخل أسوار أحد المعتقلات لما اكتسته من لوحات فنية دهنت مباشرة على الحائط و بالسؤال عنها عادة ما يكون الجواب أنّ السجناء هم من قاموا برسمها بعد التحية والترحيب بالضيوف و تقديم الفيلم عادة ما يعرض الفيلم وسط صمت مهيب قد تقاطعه همسات بعض السجناء أو السجينات حول مشهد معيّن أو تصفيق و تهليل امام احد المشاهد الساخنة كما هو عليه الحال خارج هاته الأسوار داخل دور عروض الأفلام . يغرق الجميع في الفيلم و يرحلون معه خارج تلك الأسوار العالية , يسافرون لساعة أو ساعتين محلّقين في عوالم اخرى ناسين وضعيتهم الصعبة و مشاكلهم و المهم . و ما ان تشتعل الأنوار من جديد حتى تعلو الاصوات و تبدأ التعليقات و يتململ الجميع على مقاعدهم و يتمّ الاعلان عن بداية النقاش فتصعد احدى منظمات العرض المنصة صحبة المخرج و أبطال الفيلم و تبدأ مرحلة السؤال و الجواب . أسئلة تشمل كلّ جوانب الفيلم التقنية منها و الجمالية . و المواضيع و المحاور . و قد تتوّسطها تعليقات أو شعر أو نص أراد أحد السجناء أن يتلوه على الجميع ففي سجن مرناق أخذ سجين المصدح ليفاجئ الجميع بقصيدة قال أنّها من وحي اللّحظة و ليختم تدخّله بالنشيد الوطني التونسي فكان ان . تفاعل معه الجميع من مساجين و حرّاس و صحفيين و ضيوف ووقفوا مؤدّين النشيد و في سجن سوسة المسعدين كان العرض موّجها الى النساء و غمرتهنّ سعادة كبيرة عندما طالعتهم بطلة الفيلم الرائعة هند صبري رفقة بطله محمد علي بن جمعة و الممثل المصري محمود حميدة و طالت النقاشات و سالت الدموع بعد تدخّلات هند و محمد علي و ما نشراه من أمل و فرحة في القلوب . في سجن المهدية تناول النقاش بالاساس الجوانب التقنية ليتضح فيما بعد أنّ المساجين استفادوا من ورشات في مجال السينما و أنّهم قاموا بانجاز العديد من الأفلام القصيرة . و في كلّ سجن تتعدّد المفاجات و تختلف الأسئلة ليتفّق جميع المشرفين على هذه المجتمعات المصغّرة أنّ عرض فيلم تكون ثماره و نتائجه ملموسة منذ اللحظات الأولى فعادة ما يعم الهدوء و تختفي المشاكل و المشاحنات لفترة قج تمتد بين 3 اسابيع و شهر في السجن الذي يعرض فيه .
و تعتبر هذه التجربة فريدة من نوعها في العالم العربي و تنمّ عن وعي المجتمع التونسي بصفة عامة و المثقّفين و المسؤولين عن ادارة السجون بصفة خاصة بأهمية الثقافة في معالجة بعض المشاكل المجتمعية و في اصلاح الوضع العام و اصلاح . الافراد فبعد ان كانت السجون تعتبر مؤسسات ردعية عادة ما تنتج افرادا اكثر نقمة على المجتمع توجّه الجميع الان الى اعتبارها مؤسسات اصلاحية من شانها النهوض بالفرد و اصلاحه فتعدّدت المبادرات من عروض مسرح و سينما و خلق مكتبات الى ورشات فنية و حرفية يطلق فيها المساجين العنان لابداعاتهم و افكارهم .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire