لست بناقدة سينمائية و لم أتعوّد أن أنسب لنفسي ما ليس من صفاتي و اختصاصي. و لكن أعتبر أنّ من حقّي كمتابعة وفية للأفلام التونسية أن أكتب عنها كما أراها و أعيشها . و في هذا السياق أكتب عن فيلم "غدوة حي". وهو فيلم روائي طويل للمخرج التونسي لطفي بن عاشور ومن بطولة أنيسة داود و دارية عاشور و أشرف .بن يوسف و بمشاركة كل من
لطيفة القفصي و محمد الداهش و عيسى حراث و غازي الزغباني
لن أتجرّأ طبعا على تناول المسائل التقنية و الجمالية و لن أتجنّى على الصوت و الصورة فليس لي من الزاد المعرفي ما يسمح لي بفعل ذلك بل سأتناول موضوع الفيلم و رسائله . و في هذا السياق أعتبر أنّ الفيلم جاء في وقته ليذكّرنا بواقعنا فهو يطرح العديد من المشاكل المتعلّقة بالتونسي اليوم.
و ان تمحورت القصة الرئيسية حول مصير شباب الثورة سنوات بعد انطلاقها من خلال قصة بطل الفيلم حسين الاّ أنّ المخرج لم يغفل عن تناول قضايا اخرى كبولسة الدولة و علاقة الأمن بالمواطن بالاضافة الى انعدام استقلالية القضاء و استشراء الفساد و تواصل اللجوء الى الرشوة و أيضا تواصل تهميش الجهات وتفشي التجارة الموازية .
الفيلم يأخذنا في رحلة الى اخر ساعات الدكتاتورية من خلال العودة الى احداث يوم 14 جانفي 2011 و ما عاشه عدد كبير من التونسيين من رعب بعد تحوّل المسيرة السلمية التاريخية التي تعالت فيها الاصوات و الحناجر في صرخة جماعية موّحدة مطالبة برحيل الدكتاتور الى حلبة للعنف و لاستعمال الغازات المسيلة للدموع و الذخيرة الحيّة و بعد أن حاصر الامنيون المتظاهرين و أجبروهم على اللجوء الى شقق العمارات المجاورة و سطوحها و الى كل الاماكن التي بدت
لهم امنة و لم تكن كذلك .فيومها قلّة أسعفهم الحظ فنجوا من غطرسة و بطش حاملي السلاح و العصي اضافة الى كثير من الحنق و الكره في قلوبهم .الساعات كانت طويلة بالنسبة لكلّ من عاشوا تلك الاحداث ,يومها بل سأقول ليلتها لأنّ العديد من التونسيات و التونسيين لم يتمكّنوا من العودة الى ديارهم و قضوا الليلة محاصرين من قبل رجال الشرطة أو تم اقتيادهم الى اقبية وزارة الداخلية و التفنن في التنكيل بهم ليلتها تكوّنت العديد من الصداقات كالتي تكوّنت بين بطلتي و بطل فيلم الحال. تواصلت بعضها و انقطعت اخرى . و تتواصل الرحلة لتمتدّ الى ما بعد رحيل الدكتاتور الى لحظتنا الراهنة الى واقعنا المعيش الى ايامنا الحالية و مشاكلنا الانية . فرغم سعي كلّ واحد من أبطالنا الى المساهمة في بناء تونس بطريقته و رغم فرحهم و نشوتهم برحيل الدكتاتور وتوقهم الى حياة جديدة الاّ أنّ الواقع كان مختلفا و تفنّنت الحياة و الظروف في العبث بكلّ واحد منهم . فرّقتهم الحياة أو اختاروا الفراق لأسباب أدعكم تكتشفونها عند مشاهدة الفيلم لتعود الأحداث و تتشابك و تجمعهم من جديد . و من خلال تشابك هذه الاحداث نغوص في عمق الالم و البشاعة التي صرنا نعيشها لانّ هناك من سعى الى تزييف الحقيقة و تغطيتها و هناك من سعى الى تفرقة أبناء و بنات تونس و جعلهم يحيدون عن مطالبهم الرئيسية و هناك من عمل جاهدا لكي لا يطرأ أيّ تغيير و تتواصل كلّ الممارسات القذرة القديمة و تبقى دار لقمان على حالها .
الفيلم بدا لي كصرخة كتذكير فمن ساهموا في رحيل الدكتاتور من ابناء و بنات الجهات المهمشة و كل شباب و شابات الوطن تستنفد قواهم و يقتلون بدم بارد .و تختلف طرق القتل و تتنوّع. فالموت ماديّ و عنويّ و من كان من الفاسدين والمتوّرطين ينجو من محاسبة و مساءلة بل و يمكن أن يتحوّل الى بطل و حتى ضحية ثورة مطالب بحقوق و تعويضات .
لن أطيل الحديث في التفاصيل و أدعوكم الى خوض الرحلة في التاريخ بأنفسكم فلن تندموا و في الفيلم تونس و عدة مشاهد رائعة و جميلة و ان موجعة و مؤلمة لتونس فاستمتعوا .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire