و يخالونني أخشى ما يقولون و ما يردّدون أو من المتستّرين عمّا يفعلون … كتب الدوعاجي عن جولته بين حانات المتوّسط …و أكتب عن جولة صغيرة ليلية ها هنا و بين شوارع العاصمة و مقاهيها و حاناتها …
عاركم بين فخذي نسائكم …عاركم ارتبط بقطعة قماش قصرت أو طالت … و العار بالنسبة لي في جهلكم … في ابتعادكم عن القراءة و الفنّ و الثقافة و التفكير … العار في صمتنا عمّا نعيش من استغلال و ظلم و استبداد و تخلّف … عارنا في صمتنا امام بلاد اغتصبت من الوراء و الامام … من قبل المتسترين بالدين المتاجرين بالقيم و البلاد و العباد
حانة الجماييكا أو " الديزيام " حيث تخال انّك ملك البلاد و حاكمها … تركبين المصعد القديم المتهالك و تطول الدقائق الفاصلة بين ركوبك اياه و تحرّرك منه في الطابق العاشر لتجدي نفسك أمام الحبيبة … تونس أو قلب تونس … و شريانها الرئيسي ذلك الشارع الذي أهوى و أحبّ … و يقابلك المسرح البلدي منذ الوهلة الاولى … و تشدّك هندسته الفرنسية الايطالية و يجلبك بياضه … نعم المسرح ذلك الرمز الذي كادت يد الجهل ان تغيّبه في فترة ما من الفترات القاتمة في تاريخ هذه البلاد لولا تحرّك نساء البلاد و رجالها الغيورين على تراثها و تاريخها و معمارها … و يشدّك نزل الافريكا بهندسته الحديثة انظارك … ثمّ يطالعك المبنى الرماديّ جاثما ها هناك … و تتوالى الذكريات بين بغيظة و سعيدة … فلقد عذّب الكثير من الاحبّة فيه شرّ تعذيب و من امامه لمحت تباشير صباح الجديد وسط برد الشتاء القارس … و يجلبك لمعان في الافق و تناديك البحيرة فجزيرة شكلي … تنظرين يسارا … فتلمحين ذا ك المبنى الكريه الذي جثم أصحابه على صدور التونسيين سنوات و سنوات … و تتذكّر لافتته الحمراء التي تمّ اسقاطها ذات يوم من ايام جانفي 2011 وسط هتاف الجماهير و تجلبك الاضواء البنفسجية لمقرّ التلفزة التونسية و تحاول تحديد الاماكن وسط الليل الدامس البهيم … تراقبين المارّة رائحين غادين في حركة نشيطة و تتذكّرين خلية النحل و نشاط النمل و تردّدين ابيات من معلّقة امرؤ القيس
مِكَـرٍّ مِفَـرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِـرٍ مَعــاً
كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
فاين نحن ذاهبون ؟
تغمضين عينيك و يمرّ شريط الذكريات هنا حيث كانت تقام الحفلات … بمناسبة الانقلاب الذي سميّ تغيير … كنت تصعدين هاهنا و تتامّلين المشهد متحسّرة متالمة كما هو حالك الان … رحل الحاكم و لم يرحل نظامه المستبدّ … هاهنا حيث تجمهر الالاف في لحظة قيل انّها لحظة غضب و الله اعلم … هنا حيث تعالت اصواتنا منادية برحيل دكتاتور … هنا حيث يختلط الحابل بالنابل و تتعدّد المطالب و الطلبات … تغمضين عينيك و تحلمين … قبل ان ترمي جسدك المتعب في المصعد المتهالك من جديد …
و يحتضنك الشارع …
فهذا يعربد بعد ان عاقر ما لذّ له من الخمرة و مشروب الشعير الاصفر الذهبي ّ
وتسكنك ابيات الشعر من جديد :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
لو مسها حجر مسته سراء
و تلك أتعبها كعبها العالي فعجزت عن المشي .
وذاك طال قميصه الافغاني فعطّل حركاته …
ورجال امن أشهروا اسلحتهم في وجوه الجميع سواء
و فجاة تمرّ سياراتهم المختلفة في حركة استعراضية في الشارع العظيم …
وتلك قطط تتضوّر جوعا رغم انتشار القمامة التي سودّت و جه البلاد زمن الكتاب الاسود
وتحتضنك حانة بفّون و تستقبلك اغنية " ريتك ما نعرف وبن " لبوشناق و ترحلين الى اماكن مختلفة من البلاد و انت واقفة في نفس المكان و يتوقّف بك الزمان للحظات … و تنسين لوهلة ألما في قلبك على بلاد اغتصبت و على حبيب خلت انّه حبيب و ما كان كذلك …تاخذك الاغنية الى الحلفاوين و باب سويقة و باب منارة و حلق الواد … فتحلمين ...