سكنتني الرغبة في كتابة هذا النص منذ أشهر لا بل منذ سنوات . نعم فلقد مضت ثلاث سنوات على خروج الدكتاتور من تونس لكن دار لقمان بقيت على حالها أو دعوني أقول ساءت أحوالها و لكن هذا ليس موضوعي هنا.موضوعي هو عبارة :مش وقتو التي صارت فلسفة و سياسة و فكرا و ارهابا.فقد درجأغلب التونسيين على استعمالها و اللجوء اليها بعد 14جانفي 2011و عشقها السياسيون و التجؤوا اليها للتخلّص من هذا المأزق أو ذاك
و دعوني أذكّركم بتعالي أصوات العديد من السياسيين رافضين الخوض في مسألة التطرّف و التشدد الدينيين مع ظهور أولى بوادرهما. فكانت الهجمة على سينما أفريكار في صائفة 2011 عند عرض فلم نادية الفاني "لائيكية ان شاء الله "أو "لاربي لا سيدي" و تعمدت مجموعة من المتشددين الهجوم على قاعة العرض وسط صمت امنيّ رهيب و عندما حاول
البعض التحذير من خطر هؤلاء تمّ اتهامه برفض الاخر و كانت تعلّة مش وقتو أي هذا ليس وقت الخوض في هكذا مواضيع و كان الامر كذلك عندما تمّ الاعتداء بالعنف على مسرحيين و سنمائيين و فنانين بصفة عامّة فأغلب السياسيين وقتها كانوا يفكّرون بالاصوات الانتخابية و بعدد المقاعد التي سيحصدونها و تناسوا مستقبل بلاد باكملها فكان خيارهم مسايرة موجة التديّن التي سيطرت على البلاد لسبب أو لاخر . ففجاة تذكّر أغلب التونسيين ضرورة البحث عن هويتهم و خال لهم انّ دينهم مهدّد من كلّ النواحي و نسوا انّنا متعدّدون و مختلقون و متعايشون رغم ذلك لقرون و قرون . و مضى سياسيونا
يستعرضون علينا مدى تديّنهم و انبرى كلّ واحد يقدّم نفسه على انّه حامي الحما و الدين
.
ثمّ كانت قضايا تتعلّق بحرية التعبير و لعلّ اشهرها تبقى قضيتا " امينة فيمن " و قضية جابر الماجري حيث تفادت اغلب الاحزاب و حتى المنظمات الحقوقية الخوض في المسالتين خوفا على اصواتها الانتخابية . نعم مرة اخرى كانت "مش وقتو "حاضرة و كانّ حقّ الانسان في ممارسة حرية التعبير التي تعتبر حقّا من الحقوق الاساسية للانسان يجب ان يكون مرتبطا بوقت ما و كان الادهى و الامرّ انّ بعض الاحزاب التي تسمّي نفسها تقدمية و ديمقراطية تهجّمت على من دافعوا على الشابة و الشاب التونسيين حتى و ان اختلفوا معهما لكنّ المسالة مبدئية . فقد بلغني مثلا انّ ابناء بعض الاحزاب اليسارية مثلا كالوا لي الشتائم لا لشيء سوى لانّني دافعت عن جابر أو امينة و طبعا انا هنا لا اربط التقدمية بالعري و لا بالالحاد و لا بغيرها مما يعتبر تابوهات في مجتمعاتنا الشرقية و لكنّ مساندتي للشابين مرتبطة بايماني الشديدي بانّ لكلّ شخص الحقّ في التعبير عن رايه بالطريقة التي يشاء مادام لم يعتد على احد
و اليوم صارت فلسفة "مش وقتو" فلسفة شعب كامل فمؤخّرا و لمّا خرج بعض أبناء وطني في مسيرة سلمية مناهضة . للعنصرية خرج بعضهم علينا يتهمونهم بالسعي الى خلق المشاكل و تشتيت المجهودات و اخبرونا انّ لاوجود للعنصرية
في بلادنا رغم تعدّد اخبار حوادث اعتداءات عنصرية
و مع تنامي ظاهرة الارهاب و انتشارها في تونس أصبح الحديث عن تجاوزات الامنيين امرا محظورا فما ان يتحدّث احدهم عن تعرّض فلان او فلتان الى الضرب او الاهانة من قبل امنيين حتى تتعالى أصوات بعبارة "مش وقتو" فهعم يحاربون الارهاب و يجب مساندتهم و الوقوف الى جانبهم . و هنا تطرح العديد من نقاط الاستفهام فهل قيام الامنيين بواجبهم داع للسكوت امام تجاوزات فئة من الامنيين لازالت تعيش بعقلية العنف و التعذيب و الطغيان ؟ يجب ان نساند من يحمون الوطن و لكن يجب ايضا ان لا نظلّ مكتوفي الايدي امام من يعتدون على ابناء الوطن مجانا .
و تتعدّد الامثلة التي صارت فيها فلسفة " مش وقتو" طاغية فوّلد الصمت عن هجمات اعتبرها البعض هجمات نادرة لمجموعات صغيرة ارهابا خلّف لنا شهداء في صفوف المدنيين و الامنيين سواء و لم يجن السياسيون الذين شاركوا في ذلك بصمتهم المقاعد التي حلموا بها …
و تواصلت الممارسات الخاطئة لبعض الامنيين و زادت حدّتها بفضل فلسفة مش وقتو هم يقاومون الارهاب فاغمضوا اعينكم امام تجاوزات بعضهم
وتعددت القضايا المتعلقة بحرية التعبير و طالت صحافيين و مدونين و مواطنين و فنانين بفضل سياسة و فلسفة مش وقتو ايضا
و نسي اغلبنا انّ حقوق الانسان ليست مرتبطة بزمان او مكان و نسى اخرون انّ المسالة ليست مسالة حسابات انتخابية و مقاعد زائلة بل هي مسالة مبدا فان تخلّيت عن جزء من حريتك في وقت ما فكن متيقّنا انّك ستخسرها كلّها في وقت ليس بالبعيد و تاكّد انّ الصمت عن جريمة ما هو مشاركة فيها وانّ الساكت عن الحقّ شيطان اخرس . فيكفنا من المهاترات و لندافع عن الحقّ و عن حقوقنا و حرياتنا للدفاع عنها و انطلاقا من ايماننا بها و ليس من اجل حسابات و اكراما لتحالفات
.و صداقات و انتماءات فهذا وقتو و نص
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire