إليك و أنت تقبع هناك في تلك المدينة النائمة وراء قضبان الجلاّد كما سمّيت أنت سجنك في رسالتك
لي و كما قالت جليلة بكّار :ما تظنّش اللّي ياسر على عايلة وحدة ما تظنّش اللّي الديسك خفى لازمو يتبدّل
عندما نشر كتاب " الحبس كذّاب و الحيّ يروّح" كنت أدرّس بالولايات المتحدّة الأمريكية. وكنت متشوّقة لقراءته. فلقد عايشت ولادته من خلال بعض المناقشات بين والدي ورفيقه و صديقه, مؤلّف الكتاب فتحي بن الحاج يحيى كمّا أنّي قرأت بعض المقتطفات و الكتاب لا يزال مسودّة. و ممّا زاد في رغبتي في قراءته هو ما طالعته من مقالات تتحدّث عنه في من صفحات مواقع الكترونية عديدة.
كنت متحمّسة لقراءة الكتاب لسببين رئيسيّين .أوّلهما شخصيّ و عاطفيّ فأنا عادة ما أبحث عن مقتطفات من تاريخ والدي و رفاقه لا بل أبحث عن كلّ الحكاية. أبحث عن الإجابة عن استفهامي كيف و لماذا؟ أريد أن أعرف كيف انضمّ إلى حركة " آفاق". كيف بدأ شغفه بالسياسة و كيف كبرت أحلامه بتغيير العالم ؟ و على الرغم من كونه يروي لي بعضا من ذلك إذا ما طال إلحاحي إلاّ أنّ إحساسي بشحّة تفاصيل حكاياته لم يفارقني و كأنّه يحاول تفادي الخوض في الموضوع. فعادة ما كانت إجاباته مقتضبة و ما روت عطشي لمعرفة هذا التاريخ . كما أنّني كنت أريد أن أعرف تاريخ أناس أعرفهم كفتحي بالحاج يحيى, رشيد بللونة, الخالد نور الدين بن خذر , محمد الخنيسي , عايشة العابد, أحمد كرعود , محمد الكيلاني و حمّة الهمّامي, محمد المعالي , محمّد صالح فليس.
أمّا السبب الثاني فهو أنّ الكاتب لا يعدو أن يكون إلاّ فتحي بالحاج يحيي , ذلك الكاتب الصديق الذي أعجب بكتاباته المتفرّقة التي كنت أقرؤها على صفحات بعض الجرائد المعارضة أو كرسائل الكترونية تصلني من حين إلى اخر . فطريقة فتحي في الكتابة متميّزة فهو يجعلنا نضحك من أ كثر الأحداث مأساوية, فهو يكتب بسخرية ناقدة لاذعة. فنصوصه أشبه ما تكون بكاريكاتورات ناقدة رغم الابتسامة التي تسرقها و تفتكّها منّا .
و عند عودتي و في أوّل ليلة لي بتونس التهمت الكتاب بنهم . أقول التهمت لأنّي ما إن بدأت أقرأ الصفحات الأولى منه لم أستطع التوقّف عن القراءة , أنا المدمنة على الانترنت و على صفحات الفايسبوك , نسيتها تلك اللّيلة و سرقتني الكلمات. و جدت البعض من تاريخ كثيرا ما بحثت عنه. و عرفت تفاصيل غابت عنّي في السابق و ظلّ فتحي مخلصا لأسلوبه الساخر في الكتابة فحدّثنا عن زينوبة , ذلك المخنّث الذي كان أوّل شخص يراه فتحي في السجن و هو صاحب قولة :" الحبس كذّاب و الحيّ يروّح" التي صارت عنوانا لهذا الكتاب .هذا المخنّث الذي ينتمي إلى مجموعة كاملة" الكاريوكات" ممّن رمت بهم الأقدار في سجون الرجال , هم الذّين يرون أنّ مكانهم في سجن النساء بمنّوبة و الذين مثّلوا خير سند للكاتب و رفاقه طوال فترات إيقافهم.وصف لنا هندسة سجون 9 أفريل و برج الرومي : " الارية" و" الشنابر" و نقل لنا تفاصيل اللّقاء مع بورقيبة في يوم مشمس و طقس جميل بداية من السيارة الفخمة التي أقلّت مجموعة من المساجين السياسيين( محمّد الخنيسي ,الكاتب و نور الدين بعبورة و الصادق بن مهنّي), إلى قصر الرئاسة بقرطاج وصولا إلى تفاصيل ما أسماه بالمفاوضات مع الحبيب بورقيبة و " موش هكّة" العبارة التي اشتهر بها الرئيس .
الكتاب رحلة رائعة في تاريخ لا يمكن و لا يجب أن ينسى و لكن لا بدّ أن أقول أنّنا كشباب لا بدّ أن نقرأ و نعيد قراءة كتابات من هذا النوع وأن نتعلّم منها الأشياء البنّاءة مثل أهميّة الثقافة فنحن فهمنا الحرية و النضال بشكل خاطئ يجرّنا إلى الوراء عوضا عن أن يدفعنا إلى الأمام ف مجموعة"آفاق" قضوا أيّامهم في قراءة كلّ ما تقع عليه أيديهم طوال الفترات التي أمضوها وراء القضبان , قضوا أيّامهم و لياليهم في نقاشات طويلة , حادّة و تبادلوا الأفكار و المعارف .أمّا نحن فلا نطالع و لا نذهب ألى دور المسرح و السينما و الحفلات الموسيقية الراقية , نحن نفقد عقولنا من أجل مباراة كرة قدم أو من أجل سهرة في علبة ليلية يحييها فنّان قد يغطّي أجره حاجيات العشرات من العائلات المعوزة و المفقّرة .
شكرا على تقديم لمـحة عن الكتاب...هل يباع في تونس ؟؟؟أقصد مكتبات العاصمة ؟؟ فيما بقي فأن الترويج للركاكة و الإبتذال حتى في برامج التعليم ولّد جيلا خارجا تماما عن اللعبة الفكرية و الثقافية أو جيل سوداوي و ظلامي يعادي الفكر و الثقافة
RépondreSupprimerلا شكر على واجب , نعم الكتاب يباع في المكتبات التونسية و يمكن أن تجده في مكتبة الكتاب في شسارع الحبيب بورقيبة في العاصمة أو في المرسى
RépondreSupprimer