بلغني هذا الصباح خبر وفاة الأستاذ و المربّي الفاضل الجيلاني بالحاج يحيى لذلك فانّني أتقدّم بأحرّ التعازي لفتحي بالحاج يحيى و لخالتي حبيبة و لكلّ عائلة بالحاج يحيى و أرجو من اللّه أن يرزقهم بالصبر بعد هذا المصاب الجلل فقد كان اخر لقاء لنا معه منذ أسبوعين أو أقلّ خلال تقديم كتاب عم حمدة العتّال لمحمد صالح فليس, فكان عم الجيلاني كعادته مرحا و صاحب نكتة خلال التدخّل الدي قام به للحديث عن الكتاب . وأعيد نشر هذا النص الذي خطّه والدي في السنة الفارطة كتحية للروح الفقيد,
إلى الأستاذ الجليل الجيلاني بن الحاج يحيى بمناسبة صدور نشرة جديدة من كتاب :"معركة الزلاّج (1911)"
أستاذي ، أخي ، أو كما تعوّدنا أن نناديك : "عمّي الجيلاني".
كثيرا ما عنّ لي أن أكتب إليك . و لكنّي لم أجرؤ على الكتابة و لو مرّة . و كثيرا ما تحدثت عنك في مجالس خاصّة من عمق نفسي و مع اشتعال جوارحي ، و لكنّي لم أتحدّث عنك بحضورك و في مناسبة عامّة إلاّ مرّة وحيدة : بمناسبة الاحتفال بحصولنا على الترخيص للفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية .
و ها أنّي أجدني هذه المرة مدفوعا من داخلي لأن أكتب إليك ، و لأن أرغب منك في أن تسمح لي بأن أنشر على الملإ ما أكتبه إليك . أمّا ما حرّك سواكني و استفزّ قلمي فهو صدور النشرة الجديدة من كتاب :"معركة الزلاّج (1911)" الذي وضعته منذ مطلع ستينيات القرن الماضي مع الكبير الكبير محمّد المرزوقي .
عمّي الجيلاني ،
و أنا أقرأ الكتاب مجدّدا أدركت أنّني كنت قرأته عشرات المرّات . و لمّا أدركت ذلك أدركت أنّه كان لكتابك شأن هامّ في تكويني و أثر كبير على كياني .
فأنا قرأت الكتاب يافعا ، و قرأته طفلا ، و قرأته و أنا أهرول إلى شبابي ثمّ قرأته شابّا في حياته شيء من تجربة و معاناة .
و يخيل إليّ الآن أنّني لن أجانب الصّواب إن أنا صرّحت بأنّه كان لكتابك فعل في مسار حياتي بل و إن أنا اتّهمتك : "إنّك بكتابك قد نحتّ شيئا في فؤادي و قددت شيئا من عقلي . و دفعتني -برفق- نحو مساري " لقد كان لكتابك عن "معركة الزلاّج" أوّل أثر فتح عينيّ على النضال ، و أوّل أثر بيّن لي -و إن دون تصريح- أنّ النّضال واجب ، و أنّ أوّل المعنيين به و المقبلين عليه هم ساكنو الهوامش ، و أنّ التاريخ لا ينسى و إن بدا لفاعليه أنّه ينسى ، و أن النّضال عطاء دون انتظار ، و معاناة صرفة و سعادة حيث لا تنتظر السعادة . و من كتابك أيضا تسلّل إلى عقلي برهان بأنّ التحدّي ممكن و واجب و أنّ الديّجور -وإن اشتدّ- لا بدّ زائل .
بعد ذلك ، جاء زمن كنّا نبحث فيه عن كتب نتعلّم منها كيف نقاوم و كيف نصمد و كيف نصبر ... و من هذه الكتب كان كتاب "بابيّون" (فراشة) لهنري شاريار الذي تحدّث عن "كايان". و لأنّني كنت قد قرأت كتابك عن "معركة الزلاّج" فلقد عرفت أين تقع "كايان" ، و ما هي ، ... و من الكتاب الثّاني عدت إلى الأوّل ... و رأيت فيه كيف تواصلت الحياة بعد أن طال صاحبها ما هو أعسر من الموت و أفظع .
عمّي الجيلاني ،
بعد ذلك قرأت لك في مواضيع و مآرب أخرى . لكنّني ظللت أقرنك ، على الدّوام ، بكتابك عن "معركة الزلاّج" . وعرفت نضال شعبنا مذ أصابه الاحتلال ، و أبعد من ذلك قبلا و بعدا ، لكنّني لم أنس أبدا ما قرأته عن "معركة الزلاّج" . و ظلّت هذه المعركة أصل النّضال في و جداني .
و عرفتك بعد ذلك بضحكتك ، و طرافاتك ، و تلك الشكائر الضّخمة ملأى خضرا و غلالا ، و القفاف ملأى كتبا وحُبّا ، و ذلك البذل المتحضّر -المتواضع- الذي لا يسمّي نفسه بل يتخفّى استحياء - الذي يفيض منك ، و من خالتي حبيبة ، رفيقة أيّامك ، على عشرات لا أشكّ في أنّه يسعدهم أن أقول أنّنا أحسسناكما ، كلّنا ، أبا و أماّ لنا جميعا و ليس لفتحي و حده .
عمّي الجيلاني ،
بعد ذاك كان النّور . و استقبلتنا جميعا في بيتك في يوم -ليلة لن يقدر الزّمان و جوره على أن يمحياهما من ذاكرتي ، بل و من و جداني : لقد كنت أنت الشمس -المركز- المحور ، و من حولك كنّا - بعضنا خارج من الوحشة للتوّ ، و بعضنا سبق بالخروج و لكنّه كان ما يزال يستذكر بعناء كيف يخطو المرء خارج الوحشة ... وحولك -حولنا كان أحبّة و أصدقاء و متعاطفون ، و أيضا ... جماعة من السّلط .
و هنا أتّهمك بتهمة أخرى :"لقد علّمتني- علّمتنا أنّ في البشر ، جميع البشر ، خير و إن هم ظلموا ، أو استكانوا للظلّم و سكتوا عنه" .
بل و أتّهمك أيضا بأنّك جمعت بين التناقضات و أوحيت لنا بأنّ الصّفح شيمة الضّحايا ، و ناديتنا إلى عوالم أرحب ، و علّمتنا أن الحياة تنّوع و تعدّد .
عمّي الجيلاني
لقد كنت على الدّوام معنا ، و ببسمتك و طرفتك و إشارتك شبه الخفية أو المستحيية علّمتنا أنّنا ، قبلا و بعدا ، من وطن واحد ، و أنّ على من كابد و ضحّى و صمد واجب أن يقاوم على أكثر من صعيد و صعيد ، وواجب أن يشهد ، و واجب أن يستمّر .
عمّي الجيلاني
اعتمدت في توجيه التهمة إليك على جوارحي و وجداني . ولم أسند تهمي لا لفصول قانون و لا لتعلاّت تحقيق ... و بالمنهج ذاته أحكم عليك بأنّك واحد منّا ، بل و من معلّمينا ... و أقول لك : إنّني سعيد بأنّك ابتسمت لي ذات يوم عندما قلت لك أنّني أريدك أبا ثانيا لي ، و لم ترفض . و أرجو أن تقبل أن أمضي هذا بإضافة "فاء" في مطلع إسمي: فصادق .
24 مارس 2009
ملحق : هل تعلم عمّي-أبي- صديقي أنّ النّص المكتوب على نصب الزلاّج بباب عليوه هو من خطّ صاحبك الشادلي بن غربال ؟
as tu idee quand il sera inhumé et ou? merci
RépondreSupprimerكان رجلا مميزا
RépondreSupprimerرزق أهله وكلّ من يعرفه الصبر
Aujourd hui au Jellaz a 16h
RépondreSupprimer